الأربعاء، 21 مارس 2012

إدوارد الذى كنا نناديه بلبل

 كان "بلبل" فى نفس عمرنا ولكنه كانا ضعفنا طولا وكان طوله غير متناسق وكان كل أخوته طوالا جدا وبشكل غير متناسق أيضا وكان أبوه طويلا بشكل غير متناسق وكانت أمه قصيرة سمينة بشكل غاية فى عدم التناسق ..
كانت عائلة كربونية متشابهة النسخ إلا الأم فكانت مختلفة تماما وقد وفدوا على شارعنا وسكنوا فيه فى هدوء وقد اكتشفتهم فجأة رغم أن الشارع لا يعج بالسكان مثل اليوم وكان سكان الشارع يعرفون بعضهم بعضا.
كانوا ينادونه فى البيت "بلبل" وكنا نناديه فى الشارع "بلبل" فى المرات القليلة التى كان يشاركنا فيها اللعب .. وكانوا ينادونه فى المدرسة "إدوار" ويكتبون اسمه "إدوارد" .
كان "إدوارد" صامتا دائما خجولا منطويا ولا أذكر أنى سمعت صوته غير مرة أو مرتين و كان له ابتسامة حزينة تثير الشفقة وكان يحب أن يشاهدنا ونحن نقوم بتمثيل أفلام فؤاد المهندس خصوصا سلسلة أفلام "مستر إكس" وكان جارى إبراهيم يؤدى دور المخرج وكان يكبرنا بعامين وكنت أقوم بدور البطولة دائما حتى أن البعض ظل ينادينى لفترة طويلة  "إكس" وكنت أقتل الجميع وأضربهم فيقعون على الأرض قتلى وكان إذا أطلق أحدهم علىَ النار " يعنى نشن عليا وقال طاخ طاخ !!" يبقى يومه أسود من المخرج ويعيد المشهد من جديد ...
وكان المخرج الصغير سبابا لعانا سليط اللسان وكان ألثغا فى عدة حروف فينطق الجيم دالا والسين ثاء والراء لاما وقد انتهت هذه اللثغات عندما كبر وكان أحمقا سريع الغضب .. أذكر أننى مرة قررت أن أقلده فأشتم  وكان ذلك صعبا جدا  على نفسى فرغم شقاوتى لم أكن سبابا ولا أحب السباب ولا أقبل أن يسبنى أحد .. وبعد تردد طويل سببت أحدهم بلا مبرر سبة فظيعة بمقاييس أطفال ذلك العهد وأخلاق ذلك العالم ولسوء حظى كان يقف خلفى إمام المسجد - رحمه الله - فكاد يخلع أذنى فى يديه التى ظلت حمراء طول اليوم وعندما سألنى أبى عن سبب ذلك الاحمرار فى أذنى استحيت أن أخبره فيعرف أننى أنطق مثل هذه الألفاظ ومنذ ذلك الحين لم أنطق بتلك السبة مرة أخرى وإن كنت نطقت فيما بعد بأنواع أخرى من السباب غير الموغل فى القباحة.
كان أخو "بلبل" الأكبر قد اتخذ "دكانا" صغيرا فى أحد الشوارع المجاورة ووضع فيه بعض الحلوى والمشروبات الغازية ليبيعها وكان قليل الزبائن قليل المكاسب والغريب أن هذا "الدكان" لم يتطور إلى الآن فكأنه شكلا تجريديا فى شارع مزدهر وما زال خارجا عن المألوف مثل هذه الأسرة التى غادرت الشارع منذ زمن طويل فلم أر "بلبل"  شابا أبدا .. وكنت إذا ذهبت لشراء شىء من ذلك "الدكان" أعطيه النقود وأطلب ما أريده ويعطينى الباقى دون أن يتفوه بكلمة ..
كانت عائلة تجيد الصمت فلم أسمع صوت أبيهم أبدا ولا كل أخوة "بلبل" غير مرات قليلة جدا عندما كانت الأم تنادى "بلبل" وهو يلعب معنا فتقول مرة واحدة: "بلبل" وتمضى إلى البيت ويعود صاحبنا خلفها ملبيا دون حتى أن يقول "نعم".
كنت أجيد إطلاق الأسماء على الآخرين و كل من أعطيته اسما قد التصق به إلى الآن وكانت عادة الناس أنهم يطلقون على السمين "فتلة" والقصير "نخلة" والصامت "بلبل" لعله يغرد يوما.
لكنى كنت أطلق أنواعا أخرى ساخرة من الألقاب كانت من النوع اللاصق الذى لا يفارق صاحبها أبدا.
كانت أم "بلبل" ترتدى ملابس سوداء دائما وكانت دائما حزينة كذلك كل هذه الأسرة دائما عابسة ... وكانت هذه الأسرة بسمتها هذا تثير فضولى وتساؤلاتى وشفقتى أيضا وعندما مرض أبو "بلبل" وقطعت رجله لم نلاحظ فرقا فى وجوههم وعندما توفى بعد ذلك بشهور لم نلحظ أى تغيير على تلك الوجوه ..  فقد وصلت هذه العائلة لدرجة من الحزن ثابتة لا تطرد ولكنها عميقة وكأنهم يخفون فى صمتهم آلاما صعب على مثلى فى هذه السن فهمها.
كانت هذه الأسرة بمثابة مأتم صامت فى داخل فرح كبير محيط من كل الاتجاهات فلم ينشغل بهم أحد ولم يشغلوا أنفسهم بأحد .
قررت مرة أن أشرك "بلبل" معنا فى لعبة الأفلام التى نمثلها وطلبت من المخرج أن يلعب "بلبل" مكانى وذهبت لأقنع "بلبل" بالفكرة وبعد تشجيع كبير منى ومحايلة طويلة وافق على أداء الدور..
شخص بهذا الطول غير المتناسق وهذا الصمت الحزين الذى لا يبدو منه إلا بسمات قليلة كان لا يجيد اللعب وكان بطيئا فى حركاته بشكل أغرى الجميع بالضحك والسخرية منه لدرجة أنه حاول الانسحاب أكثر من مرة وكنا نتأسف له وندفع المخرج ليسب الأولاد حتى لا يكرروا هذا ونعيده للمشاركة مرة أخرى ...
لم يعد يبتسم وكان يتحرك بخجل شديد .. كنت أراقب المشهد فلست لاعبا فيه .. تجرأ أحدهم وأطلق عليه النار من مسدسه المحشو بالماء " طاخ .. طاخ .. طاخ !!" سقط  "بلبل" وانهال المخرج على القاتل بالسباب وأراد أن يعيد المشهد مرة أخرى لكن " إدوارد" مازال ملقيا على الأرض ..
يناديه المخرج ليقوم ليستكملوا اللعب لكنه لا يتحرك ولا يجيب .. كانت قناعتى فى هذا المشهد أن "بلبل" يجيد تمثيل الموت أكثر من لعب الحياة ...
جاءت الأم ونادت "بلبل" ثم مضت ...
تجمع الناس وابتعد الأولاد فى دهشة وذهول ووجل .. اقتربت منه .. لم أكن أسمع كلام الناس ساعتها .. فقد كان الصمت يصك أذناى ..  لم أر فى وجهه غير ابتسامة خفيفة وعينين مغمضتين وكان جسده لا يتحرك ..  حاولت دفعه .. إدوارد .. إدوار .. إدوار .. أمك نادت عليك ... قم حتى لا تغضب منك ..
بعصبية دفعته ... خلاص !!  انتهى اللعب ..
 سحبنى إمام المسجد برفق لأخرج من حلقة الناس حوله .. وقفت مع بقية الأولاد الصامتين المذهولين الوجلين ونظرت لإبراهيم وكان الوحيد الذى يجهشه البكاء.

مصطفى إسماعيل

الثلاثاء، 20 مارس 2012

حضر قفاك


حضر قفاك وياك وانت رايح تنتخب .. واعمل له عمرة لطيفة صغيرة .. مشى عليه الليفة وصلحه بالسنفرة .. عشان نشارك كلنا فى المسخرة .. واختار فلول أو عسكرى يللا رجعنا وره .. لا تقول برادعى ولا حمدين وأبو الفتوح يا راجل بلا حرية بلا كرامة بلا عدل دى حاجات فشخرة !!!!!!!!

حضر قفاك وياك وإياك تفرط فيه .. أصل القفا لو ضاع وشك تطول لياليه.. وتحط جزمة فى بقك ولا حد يسمع لك صوت .. ما انت طول عمرك ميت هنخاف عليك م الموت .. حضر قفاك وياك وإياك تفرط فيه ... وخد له صوره معاك أحسن تتوه معانيه .. للذكرى راح تفتكر الظلم اللى عشش فيه....

حضر قفاك وياك والبس بلوفر شيك .. وقميص بياقة قصيرة علشان تبان مآسيك .. فى اليوم ده بس الكل ف انتظار معاليك .. وبعدها يا جميل الدنيا تشمت فيك .. حتى اللى كان يستحى بكره يغلط فيك .. وبكره زى امبارح بالجزمة راح يديك.

مصطفى إسماعيل